*2* 50 - باب الخوف
@قال اللَّه تعالى (البقرة 40): {وإياي فارهبون}.
وقال تعالى (البروج 12): {إن بطش ربك لشديد}.
وقال تعالى (هود 102 - 106): {وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد،
إن في ذلك لآية لمن خاف عذاب الآخرة، ذلك يوم مجموع له الناس وذلك يوم مشهود، وما نؤخره إلا لأجل معدود، يوم يأت لا تكلم نفس إلا بإذنه، فمنهم شقي وسعيد. فأما الذين شقوا ففي النار لهم فيها زفير وشهيق}.
وقال تعالى (آل عمران 28): {ويحذركم اللَّه نفسه}.
وقال تعالى (عبس 34 - 37): {يوم يفر المرء من أخيه، وأمه وأبيه، وصاحبته وبنيه، لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه}.
وقال تعالى (الحج 1، 2): {يا أيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شيء عظيم، يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت، وتضع كل ذات حمل حملها، وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب اللَّه شديد}.
وقال تعالى (الرحمن 46): {ولمن خاف مقام ربه جنتان} الآيات.
وقال تعالى (الطور 25 - 28): {وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون. قالوا: إنا كنا قبل في أهلنا مشفقين، فمن اللَّه علينا ووقانا عذاب السموم، إنا كنا من قبل ندعوه إنه هو البر الرحيم} والآيات في الباب كثيرة جداً معلومات، والغرض الإشارة إلى بعضها وقد حصل.
وأما الأحاديث فكثيرة جداً فنذكر منها طرفاً، وبالله التوفيق:
396 - عن ابن مسعود رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال حدثنا رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم وهو الصادق المصدوق: <إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوماً، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يرسل الملك فينفخ فيه الروح، ويؤمر بأربع كلمات: بكتب رزقه، وأجله وعمله، وشقي أو سعيد. فوالذي لا إله غيره إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها، وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها> مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
397 - وعنه رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال، قال رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم: <يؤتى بجهنم يومئذ لها سبعون ألف زمام مع كل زمام سبعون ألف ملك يجرونها> رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
398 - وعن النعمان بن بشير رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال سمعت رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم يقول: <إن أهون أهل النار عذاباً يوم القيامة لرجل يوضع في أخمص قدميه جمرتان يغلي منهما دماغه، ما يرى أن أحداً أشد منه عذاباً وإنه لأهونهم عذاباً> مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
399 - وعن سمرة بن جندب رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أن نبي اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم قال: <منهم من تأخذه النار إلى كعبيه، ومنهم من تأخذه إلى ركبتيه، ومنهم من تأخذه إلى حجزته، ومنهم من تأخذه إلى ترقوته> رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
<الحجزة> : معقد الإزار تحت السرة.
و <الترقوة> بفتح الراء وضم القاف: هي العظم الذي عند ثغرة النحر. وللإنسان ترقوتان في
جانبي النحر.
400 - وعن ابن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما أن رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم قال: <يقوم الناس لرب العالمين حتى يغيب أحدهم في رشحه إلى أنصاف أذنيه> مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
<الرشح> : العرق.
401 - وعن أنس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال خطب رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم خطبة ما سمعت مثلها قط! فقال: <لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً> فغطى أصحاب رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم وجوههم ولهم خنين. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وفي رواية: بلغ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم عن أصحابه شيء فخطب فقال: <عرضت علي الجنة والنار فلم أر كاليوم في الخير والشر، ولو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً> فما أتى على أصحاب رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم يوم أشد منه، غطوا رؤوسهم ولهم خنين.
<الخنين> بالخاء المعجمة: هو البكاء مع غنة وانتشاق الصوت من الأنف.
402 - وعن المقداد رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال سمعت رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم يقول: <تدنى الشمس يوم القيامة من الخلق حتى تكون منهم كمقدار ميل (قال سليم بن عامر الراوي عن المقداد: فوالله ما أدري ما يعني بالميل أمسافة الأرض أم الميل الذي يكحل به العين) فيكون الناس على قدر أعمالهم في العرق. فمنهم من يكون إلى كعبيه، ومنهم من يكون إلى ركبتيه،
ومنهم من يكون إلى حقويه، ومنهم من يلجمه العرق إلجاماً> وأشار رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم بيده إلى فيه. رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
403 - وعن أبي هريرة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أن رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم قال: <يعرق الناس يوم القيامة حتى يذهب عرقهم في الأرض سبعين ذراعاً، ويلجمهم حتى يبلغ آذانهم> مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
ومعنى <يذهب في الأرض> : ينزل ويغوص.
404 - وعنه رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال: كنا مع رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم إذ سمع وجبةً فقال: <هل تدرون ما هذا؟> قلنا اللَّه ورسوله أعلم. قال: <هذا حجر رمي به في النار منذ سبعين خريفاً فهو يهوي في النار الآن حتى انتهى إلى قعرها فسمعتم وجبتها> رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
405 - وعن عدي بن حاتم رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال، قال رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم: <ما منكم من أحد إلا سيكلمه ربه ليس بينه وبينه ترجمان، فينظر أيمن منه فلا يرى إلا ما قدم، وينظر أشأم منه فلا يرى إلا ما قدم، وينظر بين يديه فلا يرى إلا النار تلقاء وجهه؛ فاتقوا النار ولو بشق تمرة> مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
406 - وعن أبي ذر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال، قال رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم: <إني أرى ما لا ترون، أطت السماء وحق لها أن تئط، ما فيها موضع أربع أصابع إلا وملك واضع جبهته ساجداً لله تعالى، والله لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً، وما تلذذتم بالنساء على الفرش، ولخرجتم إلى الصعدات تجأرون إلى اللَّه تعالى> رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيْثٌ حَسَنٌ.
و <أطت> بفتح الهمزة وتشديد الطاء، و <تئط> بفتح التاء وبعدها همزة مكسورة
<الأطيط> : صوت الرحل والقتب وشبههما. ومعناه: أن كثرة من في السماء من الملائكة العابدين قد أثقلتها حتى أطت.
و <الصعدات> بضم الصاد والعين: الطرقات.
ومعنى <تجأرون> تستغيثون.
407 - وعن أبي برزة - براء ثم زاي - نضلة بن عبيد الأسلمي رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال، قال رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم: <لا تزول قدما عبد حتى يسأل عن عمره فيما أفناه، وعن علمه فيم فعل فيه، وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه، وعن جسمه فيم أبلاه> رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيْثٌ حَسَنٌ.
408 - وعن أبي هريرة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال قرأ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم {يومئذ تحدث أخبارها} (الزلزلة 4) ثم قال: <أتدرون ما أخبارها؟> قالوا: اللَّه ورسوله أعلم. قال: <فإن أخبارها أن تشهد على كل عبد أو أمة بما عمل على ظهرها تقول: عمل كذا وكذا يوم كذا وكذا؛ فهذه أخبارها> رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيْثٌ حَسَنٌ.
409 - وعن أبي سعيد الخدري رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال، قال رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم: <كيف أنعم وصاحب القرن قد التقم القرن، واستمع الإذن متى يؤمر بالنفخ فينفخ> فكأن ذلك ثقل على أصحاب رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم فقال لهم: <قولوا حسبنا اللَّه ونعم الوكيل> رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيْثٌ حَسَنٌ.
<القرن> : هو الصور الذي قال اللَّه تعالى (الزمر 68): {ونفخ في الصور} كذا فسره رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم.
410 - وعن أبي هريرة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال، قال رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم: <من خاف أدلج، ومن أدلج بلغ المنزل، ألا إن سلعة اللَّه غالية، ألا إن سلعة اللَّه الجنة> رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيْثٌ حَسَنٌ.
<أدلج> بإسكان الدال ومعناه: سار من أول الليل. والمراد: التشمير في الطاعة، والله أعلم.
411 - وعن عائشة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها قالت سمعت رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم يقول: <يحشر الناس يوم القيامة حفاةً، عراةً، غرلاً> قلت: يا رَسُول اللَّهِ الرجال والنساء جميعاً ينظر بعضهم إلى بعض؟ قال: <يا عائشة الأمر أشد من أن يهمهم ذلك> وفي رواية: <الأمر أهم من أن ينظر بعضهم إلى بعض> مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
<غرلاً> بضم الغين المعجمة: أي غير مختونين.
*2* 51 - باب الرجاء
@قال اللَّه تعالى (الزمر 53): {قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة اللَّه إن اللَّه يغف الذنوب جميعاً، إنه هو الغفور الرحيم}.
وقال تعالى (سبأ 17): {وهل نجازي إلا الكفور}.
وقال تعالى (طه 48): {إنا قد أوحي إلينا أن العذاب على من كذب وتولى}.
وقال تعالى (الأعراف 156): {ورحمتي وسعت كل شيء}.
412 - وعن عبادة بن الصامت رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال، قال رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم: <من شهد أن لا إله إلا اللَّه وحده لا شريك له وأن محمداً عبده ورسوله، وأن عيسى عبد اللَّه ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه، والجنة والنار حق، أدخله اللَّه الجنة على ما كان من العمل> مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.
وفي رواية لمسلم: <من شهد أن لا إله إلا اللَّه وأن محمداً رَسُول اللَّهِ حرم اللَّه عليه النار> .
413 - وعن أبي ذر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال، قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم: <يقول اللَّه عَزَّ وَجَلَّ: من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها أو أزيد، ومن جاء بالسيئة فجزاء سيئةٍ سيئةٌ مثلها أو أغفر، ومن تقرب مني شبراً تقربت منه ذراعاً، ومن تقرب مني ذراعاً تقربت منه باعاً، ومن أتاني يمشي أتيته هرولة، ومن لقيني بقراب الأرض خطيئة لا يشرك بي شيئاً لقيته بمثلها مغفرةً> رَوَاهُ مُسلِمٌ.
معنى الحديث: من تقرب إلي بطاعتي تقربت إليه برحمتي وإن زاد زدت، فإن أتاني يمشي وأسرع في طاعتي أتيته هرولةً: أي صببت عليه الرحمة وسبقته بها ولم أحوجه إلى المشي الكثير في الوصول إلى المقصود.
و <قراب الأرض> بضم القاف ويقال بكسرها والضم أصح وأشهر ومعناه: ما يقارب ملأها، والله أعلم.
414 - وعن جابر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال جاء أعرابي إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم فقال: يا رَسُول اللَّهِ ما الموجبتان؟ قال: <من مات لا يشرك بالله شيئاً دخل الجنة، ومن مات يشرك به شيئاً دخل النار> رَوَاهُ مُسلِمٌ.
415 - وعن أنس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم ومعاذ رديفه على الرحل قال: <يا معاذ> قال: لبيك رَسُول اللَّهِ وسعديك. قال: <يا معاذ> قال: لبيك رَسُول اللَّهِ وسعديك. قال: <يا معاذ> قال: لبيك رَسُول اللَّهِ وسعديك، ثلاثاً. قال: <ما من عبد يشهد أن لا إله إلا اللَّه وأن محمداً عبده ورسوله صدقاً من قلبه إلا حرمه اللَّه على النار> قال: يا رَسُول اللَّهِ أفلا أخبر بها الناس فيستبشروا؟ قال: <إذاً يتكلوا> فأخبر بها معاذ عند موته تأثماً. مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.
قوله <تأثماً> : أي خوفاً من الإثم في كتم هذا العلم.
416 - وعن أبي هريرة أو أبي سعيد الخدري رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (شك الراوي ولا يضر الشك في عين الصحابي لأنهم كلهم عدول) قال: لما كان غزوة تبوك أصاب الناس مجاعة فقالوا: يا رَسُول اللَّهِ لو أذنت لنا فنحرنا نواضحنا فأكلنا وادهنا؟ فقال رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم: <افعلوا> فجاء عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ فقال: يا رَسُول اللَّهِ إن فعلت قل الظهر ولكن ادعهم بفضل أزوادهم ثم ادع اللَّه لهم عليها بالبركة لعل اللَّه أن يجعل في ذلك البركة. فقال رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم: <نعم> فدعا بنطع فبسطه ثم دعا بفضل أزوادهم، فجعل الرجل يجيء بكف ذرة، ويجيء الآخر بكف تمر، ويجيء الآخر بكسرة حتى اجتمع على النطع من ذلك شيء يسير، فدعا رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم بالبركة ثم قال: <خذوا في أوعيتكم> فأخذوا في أوعيتهم حتى ما تركوا في العسكر وعاء إلا ملئوه وأكلوا حتى شبعوا وفضل فضلة. فقال رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم: <أشهد أن لا إله إلا اللَّه وأني رَسُول اللَّهِ لا يلقى اللَّه بهما عبد غير شاك فيحجب عن الجنة> رَوَاهُ مُسلِمٌ.
417 - وعن عتبان بن مالك رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ وهو ممن شهد بدراً قال: كنت أصلي لقومي بني سالم، وكان يحول بيني وبينهم واد إذا جاءت الأمطار فيشق علي اجتيازه قبل مسجدهم، فجئت رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم فقلت له: إني أنكرت بصري وإن الوادي الذي بيني وبين قومي يسيل إذا جاءت الأمطار فيشق علي اجتيازه، فوددت أنك تأتي فتصلي في بيتي مكاناً أتخذه مصلىً. فقال رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم: <سأفعل> فغدا علي رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم وأبو بكر رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ بعد ما اشتد النهار، واستأذن رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم فأذنت له، فلم يجلس حتى قال: <أين تحب أن أصلي من بيتك؟> فأشرت له إلى المكان الذي أحب أن يصلي فيه، فقام رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم فكبر وصففنا وراءه فصلى ركعتين ثم سلم وسلمنا حين سلم، فحبسته على خزيرة تصنع له، فسمع أهل الدار أن رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم في بيتي فثاب رجال منهم حتى كثر الرجال في البيت. فقال رجل: ما فعل مالك لا أراه! فقال رجل: ذلك منافق لا يحب اللَّه ورسوله. فقال رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم: <لا تقل ذلك! ألا تراه قال لا إله إلا اللَّه يبتغي بذلك وجه اللَّه تعالى> فقال: اللَّه ورسوله أعلم أما نحن فوالله لا نرى وده ولا حديثه إلا إلى المنافقين! فقال رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم: <فإن اللَّه قد حرم على النار من قال لا إله إلا اللَّه يبتغي بذلك وجه اللَّه> مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.
و <عتبان> بكسر العين المهملة وإسكان التاء المثناة فوق وبعدها باء موحدة
و <الخزيرة> بالخاء المعجمة، والزاي: هي دقيق يطبخ بشحم.
وقوله: <ثاب رجال> : بالثاء المثلثة أي جاءوا واجتمعوا.
418 - وعن عمر بن الخطاب رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ قال: قدم على رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم بسبي فإذا امرأة من السبي تسعى إذا وجدت صبياً في السبي أخذته فألزقته ببطنها فأرضعته. فقال رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم: <أترون هذه المرأة طارحة ولدها في النار؟> قلنا: لا والله. فقال: <لله أرحم بعباده من هذه بولدها> مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.
419 - وعن أبي هريرة رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ قال، قال رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم: <لما خلق اللَّه الخلق كتب في كتاب فهو عنده فوق العرش: إن رحمتي تغلب غضبي، وفي رواية: غلبت غضبي، وفي رواية: سبقت غضبي> مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.
420 - وعنه رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ قال سمعت رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم يقول: <جعل اللَّه الرحمة مائة جزء فأمسك عنده تسعة وتسعين وأنزل في الأرض جزءاً واحداً، فمن ذلك الجزء يتراحم الخلائق حتى ترفع الدابة حافرها عن ولدها خشية أن تصيبه> وفي رواية: <إن لله تعالى مائة رحمة أنزل منها رحمة واحدة بين الجن والإنس والبهائم والهوام، فبها يتعاطفون وبها يتراحمون وبها تعطف الوحش على ولدها، وأخر اللَّه تسعاً وتسعين رحمة يرحم بها عباده يوم القيامة> مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.
ورواه مسلم أيضاً من رواية سلمان الفارسي رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ قال، قال رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم: <إن لله تعالى مائة رحمة، فمنها رحمة يتراحم بها الخلق بينهم، وتسع وتسعون ليوم القيامة>
وفي رواية <إن اللَّه تعالى خلق يوم خلق السماوات والأرض مائة رحمة كل رحمة طباق ما بين السماء إلى الأرض فجعل منها في الأرض رحمة فبها تعطف الوالدة على ولدها، والوحش والطير بعضها على بعض، فإذا كان يوم القيامة أكملها بهذه الرحمة> .
421 - وعنه رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم فيما يحكي عن ربه تعالى قال: <أذنب عبد ذنباً فقال: اللهم اغفر لي ذنبي. فقال اللَّه تبارك وتعالى: أذنب عبدي ذنباً فعلم أن له رباً يغفر الذنب ويأخذ بالذنب. ثم عاد فأذنب فقال: أي رب اغفر لي ذنبي. فقال تبارك وتعالى: أذنب عبدي ذنباً فعلم أن له رباً يغفر الذنب ويأخذ بالذنب. ثم عاد فأذنب فقال: أي رب اغفر لي ذنبي. فقال تبارك وتعالى: أذنب عبدي ذنباً فعلم أن له رباً يغفر الذنب ويأخذ بالذنب قد غفرت لعبدي فليفعل ما شاء> مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.
وقوله تعالى: <فليفعل ما شاء> : أي ما دام يفعل هكذا يذنب ويتوب أغفر له فإن التوبة تهدم ما قبلها.
422 - وعنه رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ قال، قال رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم: <والذي نفسي بيده لو لم تذنبوا لذهب اللَّه بكم وجاء بقوم يذنبون فيستغفرون اللَّه تعالى فيغفر لهم> رَوَاهُ مُسلِمٌ.
423 - وعن أبي أيوب خالد بن يزيد، رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ قال سمعت رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم يقول: <لولا أنكم تذنبون لخلق اللَّه خلقاً يذنبون فيستغفرون فيغفر لهم> رَوَاهُ مُسلِمٌ.