من ديوان الإمام الشافعى
رحمه الله، وجزاه عن أمة المسلمين بخير ما يجازى به عباده الصالحين
فى قوة الدعاء
أتهزأ بالدعاء وتزدريه
وما تدري بما صنع القضاء
سهام الليل لا تخطي
لها أمدٌ، وللأمد، انقضاء
فى سوء تقدير الأدباء والعقلاء
أصبحت مطرحا في معشر جهلوا
حق الأديب فباعوا الرأس بالـذنب
والناس يجمعهم شمل وبينهــم
في العقل فرق وفي الآداب والحسب
كمثل ما الذهب الإبريز يشركه
في لونه الصفر والتفضيل للذهـب
والعود لو لم تطب منه روائحـه
لم يفرق الناس بين العود والحطب
فى الهوى والعقل
إذا حار أمرك في معنيين
ولم تدر حيث الخطأ وحيث الصواب
فخالف هواك فإن الهوى
يقود النفس إلى ما يعاب
فى كيفية التعامل مع السفهاء
يخاطبني السفيه بكل قبح
فأكره أن أكون له مجيباً
فيزيد سفاهةً فأزيد حلماً
كعود زاده الإحراق طيباً
فى حفظ اللسان
احفظ لسانـــك أيها الإنسان
لا يلدغنّك، إنه ثعبان
كم في المقابر من قتيل لسانه
كانت تهاب لقاءه الأقران
فى القناعة
رأيت القناعة رأس الغنى
فصرت بأذيالها متمسك
فلا ذا يراني على بابه
ولا ذا يراني به منهمك
فصرت غنيا بلا درهم
أمر على الناس شبه الملك
فى مشيئة الله تعالى
يريد المرء أن يعطى مناه
ويأبى الله إلا ما أراد
يقول المرء فائدتي ومالي
وتقوى الله أفضل ما استفاد
فى قدر هذه الدنيا
يا من يعانق دنيا لا بقاء لها
يمسي ويصبح في دنياه سافرا
هلا تركت لذي الدنيا معانقة
حتى تعانق في الفردوس أبكارا
إن كنت تبغي جنان الخلد تسكنها
فينبغي لك أن لا تأمن النارا
فى أثر المال على العباد
وأنطقت الدراهم بعد صمت
أناسا بعدما كانوا سكوتا
فما عطفوا على أحد بفضل
ولا عرفوا لمكرمة ثبوتا
فى الصبر
ولرب نازلة يضيق لها الفتى
ذرعا وعند الله منها المخرج
ضاقت فلما استحكمت حلقاتها
فرجت وكنت أظنها لا تفرج
فى تقلب الأحوال
الدهر يومان ذا أمن وذا خطر
والعيش عيشان ذا صفو وذا كدر
أما ترى البحر تعلو فوقه جيف
وتستقر بأقصى قاعه الدرر
وفي السماء نجوم لا عداد لها
وليس يكسف إلا الشمس والقمر
فى دفع الشر
لما عفوت ولم أحقد على أحـد
أرحت نفسي من هم العداوات
إني أحيّي عدوي عند رؤيتـه
لأدفع الشر عني بالتحيــات
وأظهر البشر لإنسان أبغضـه
كما إن قد حشا قلبي محبـات
الناس داء ،وداء الناس قربهم
وفي اعتزالهم قطـع المودات
فى الصديق المثالي
أحب من الإخـوان كـل مواتي
وكل غضيض الطرف عن عثراتي
يوافقني في كـل أمـر أريـده
ويحفظني حيــا وبعـد ممــاتي
فمن لي بهذا ؟ ليت أني أصبته
لقـاسمته مالي من الحسنـــات
تصفحت إخواني فكان أقلهــم
على كثرة الإخــوان أهل ثقـاتي
فى الصفح الجميل
من نال مني ، أو علقت بذمته
أبرأتـه لله شاكـر منَّتــه
أَأُرى مَُعَوِّق مؤمن يوم الجزاء
أو أن أسوء محمدا في أمته
فى لطف الله بالعباد
إن كنت تغدو في الذنـوب جليـدا
وتخاف في يوم المعاد وعيـدا
فلقـد أتاك من المهيمـن عـفـوه
وأفاض من نعم عليك مزيـدا
لا تيأسن من لطف ربك في الحشا
في بطن أمك مضغة ووليـدا
لو شــاء أن تصلى جهنم خالـدا
ما كان أَلْهمَ قلبك التوحيــدا
فى أفضل ما استفاد المرء
يريد المرء أن يعطى مناه
ويأبى الله إلا مـــا أرادا
يقول المرء فائدتي ومالي
وتقوى الله أفضل ما استفادا
فى جنان الخلــد
يا من يعـانق دنيـا لا بقاء لهــا
يمسي ويصبح في دنياه سفـارا
هلا تركت لذي الدنيا معانقـــة
حتى تعانق في الفردوس أبكارا
إن كنت تبغي جنان الخلد تسكنهـا
فينبغي لك ألا تأمن النـــارا
فى سوء الحفظ
شكوت إلى وكيع سوء حفظي
فأرشدني إلى ترك المعاصي
وأخـبرني بأن العـلم نــور
ونور الله لا يهـدى لعـاص
فى فن النصيحة
تعمَّدني بنصحك في انفرادي
وجنبني النصيحة في الجماعة
فإن النصح بين الناس نـوع
من التوبيخ لا ارضى استماعه
وإن خالفتني وعصيت قولي
فلا تجزع إذا لم تعط طاعـة
فى سهام الدعــاء
ورب ظلوم قد كفيت بحربــه
فأوقعه المقدور أي وقـوع
فما كان لي الإسلام إلا تعبــدا
وأدعيـة لا تتقى بـدروع
وحسبك أن ينجو الظلوم وخلفه
سهام دعاء من قِسِّي ركوع
مُريَّشة بالهدب من كل ساهــر
مُنْهلَّة أطرافها بـدمــوع
فى إدعاء الصداقة
إذا المرء لم يرعـاك إلا تكلفــا
فـدعه ولا تـكثر عليه التأسفــا
ففي الناس أبدال وفي الترك راحة
وفي القلب صبر للحبيب ولو جفـا
فما كل من تهواه يهــواك قلبـه
ولا كل من صافـيته لك قد صفـا
إذا لم يكن صفو الوداد طبيعــة
فلا خـير في ود يجيء تكلـفــا
ولا خـير في خـل يخـون خليله
ويلقاه من بعد الـمـودة بالجفــا
وينكر عيشا قد تقـادم عهــده
ويظهر سرا كان بالأمس قد خفــا
سلام على الدنيا إذا لم يكن بهـا
صديق صدوق صادق الوعد منصفا
التوكل على الله
توكلت في رزقي على الله خـالقي
وأيقنـت أن الله لا شك رازقي
وما يكُ من رزقي فليـس يفوتني
ولو كان في قاع البحار العوامق
سيأتي بـه الله العظـيم بفضلـه
ولو، لم يكن من اللسـان بناطق
ففي اي شيء تذهب النفس حسرة
وقد قسم الرحـمن رزق الخلائق
فى الوقوق على أبواب الملوك
إن الملوك بـلاء حيثما حـلـوا
فلا يكن لك في ابوابهم ظــل
ماذا تؤمل من قوم إذا غضبـوا
جاروا عليك وإن أرضيتهم ملوا
فاستعن بالله عن ابوابهم كرمـا
إن الوقوف على أبوابهــم ذل
مناجــــاة
إليك إلـه الخلـق أرفــع رغبتي
وإن كنتُ يا ذا المن والجود مجرما
ولما قسـا قلبي وضـاقت مذاهبي
جعلت الرجـا مني لعفوك سلمــا
تعاظمنـي ذنبـي فلمـا قرنتــه
بعفوك ربي كان عـفوك أعظمــا
فما زلتَ ذا عفو عن الذنب لم تزل
تـجـود وتعـفو منة وتكرمـــا
فلولاك لـم يصمـد لإبلـيس عابد
فكيف وقد أغوى صفيك آدمـــا
فياليت شعــري هل أصير لجنة
أهنـــا؟ وأمـا للسعير فأندمــا
فلله در العـــارف الـنـدب إنه
تفيض لفرط الوجد أجفانه دمـــا
يقيـم إذا مـا الليل مد ظلامــه
على نفسه من شدة الخوف مأتمـا
فصيحا إذا ما كـان في ذكـر ربه
وفيما سواه في الورى كان أعجمـا
ويذكر أيامـا مضـت من شبابـه
وما كان فيها بالجهـالة أجرمـــا
فصار قرين الهم طول نهـــاره
أخا السهد والنجوى إذا الليل أظلمـا
يقول: حبيبي أنـت سؤلي وبغيتي
كفى بك للراجـيـن سؤلا ومغنمـا
ألـست الذي غذيتني وهــديتني
ولا زلت منـانـا عليّ ومنعـمــا
عسى من لـه الإحسان يغفر زلتي
ويستر أوزاري ومـا قـد تقدمــا
تعاظمني ذنبـي فأقبلت خاشعــا
ولولا الرضـا ما كنت يارب منعمـا
فإن تعف عني تعف عـن متمرد
ظلوم غشــوم لا يـزايـل مأتمـا
فإن تنتـقـم مني فلست بآيـس
ولو أدخلوا نفسي بجــرم جهنمـا
فجرمي عظيم من قديم وحــادث
وعفوك يأتي العبد أعلى وأجسمــا
حوالي َّ فضل الله من كل جانـب
ونور من الرحمن يفترش السمــا
وفي القلب إشراق المحب بوصله
إذا قارب البـشرى وجاز إلى الحمى
حوالي إينــاس من الله وحـده
يطالعني في ظلـمـة القبرأنجمــا
أصون ودادي أن يدنسـه الهوى
وأحفظ عـهد الـحب أن يتثلمــا
ففي يقظتي شوق وفي غفوتي منى
تلاحـق خـطوى نـشوة وترنمـا
ومن يعتصم بالله يسلم من الورى
ومن يرجه هـيهات أن يتندمـــا
والسلام عليكم ورحمه الله وبركاته
ولا تنسونى من صالح دعائكم