بسم الله الرحمن الرحيم
على أحد القمم مركز للمجاهدين
و على القمة الثانية .. مركز للشيوعيين
بين القمتين مسافة مائتين إلى ثلاثمائة متر فقط ..
مناوشات يومية
سفح العدو ملغم .. و سفح المجاهدين بدون لغم واحد
أحياناً يتقدم العدو .. فيردونه بالرشاشات الخفيفة و الثقيلة
أرسل المجاهدون .. يريدون تلغيم السفح الذي يلي العدو .. ليأمنوا شرهم
جئنا .. ( 911 ) .. ثلاثة من الشباب .. خليجي و مصري و فلسطيني ..
و ما ذكرت الجنسيات .. إلا لتعلموا كيف اختفت هناك الحدود الجغرافية
و ذابت كل الحواجز و العوائق و الترسبات الجاهلية .. و لم يكن هناك سوى أخوّة الإسلام
المهم .. معنا عدة الشغل ..
جلسنا في النهار مع المجاهدين .. ننتظر حلول الظلام ..
أحدهم ( رئيس المجموعة ) .. فرحان جداً ..
يسولف عن عرسه .. الذي ينوي النزول في الصباح الباكر إلى قريته لإتمامه
كان يتكلم و هو في غاية السرور و البهجة ..
سوف يتزوج غداً ..
و كان أغلب الحديث يدور حول العرس و ترتيبات الزواج ..
في منتصف الليل .. و على ضوء القمر .. نزلنا من قمة المجاهدين على السفح الذي يقابل العدو
زرعنا قذائف هاون و بي إم .. مشرّكة ..
و وصلناها بالأسلاك الكهربائية .. إلى القمة ..
المصري كان هو المعلّم ... و نحن مساعداه ..
كنا نعمل .. نحن الثلاثة فقط .. و نسمع صوت الشيوعيين .. و هم يتحدثون بينهم ..
عند الحارس فوق .. وضعنا طرفي السلك و البطاريات ..
و علمناهم .. إذا سمعتم صوت أو رأيتم تقدم من العدو .. فاشبكوا طرفي السلك بالبطارية
و بس … يتفجر الحقل كاملاً .. و تغدي الدنيا نهار
انتهت المهمة .. كنا نتجهز للعودة إلى مركزنا ..
فإذا بصوت انفجار عظيم .. و صرخة ..
سألنا الأفغان .. تفقدوا أنفسهم .. فقدوا رئيسهم
أين هو .. قالوا حصانكم الذي جئتم به فك رباطه و راح يتمشى جهة العدو
فركض خلفه .. خوفاً عليه من الألغام .. حصان العرب عزيز و غالي
يعني فشلة .. جايين يساعدونا .. و يموت حصانهم عندنا ..
الرجال ركض ورا الحصان ..
الحصان رجع سالماً .. و الرجال .. انفجر فيه لغم ..
ركضنا إلى القمة .. فإذا الرجل بيننا و بين العدو .. وسط حقل الألغام
يصيح و يتألم .. و ينادي ..
الأفغان أسقط في أيديهم .. يطالعون بعضهم .. و يطالعون فينا
و حنا نطالع بعضنا ..
تقدم إليه أحد المجاهدين .. فإذا به يطير هو الآخر في الهواء ..
صاروا اثنين .. يصرخان و ينادينان ..
الأفغان .. ينظرون إلينا ..
نحن .. أحدنا ينظر إلى الآخر ..
موقف رهيب .. رهيب .. خليط من الخوف و الشفقة و الرحمة و الغيظ و الذهول
العدو .. ساكت ..
و صراخ المصابين يشق سكون الليل ..
أنقذونا .. تعالوا .. أخرجونا .. و الجبال تردد معهم ..
أميرنا .. الله يذكره بالخير
قال .. لن أدخل حقل الألغام .. و لا فائدة في أن نصاب واحد تلو الآخر
و لكن .. لن أمنع من يريد الدخول على مسئوليته ..
نظرت إلى الفلسطيني .. فقال .. سوف أذهب لأحضرهم ..
اللي عليك عليك يازلمة . ..
غاب عنا دقائق .. و عاد يحمل على ظهره بقشة .. ( الرداء الذي يضعه الأفغان على أكتافهم )
وضعها على الأرض ..
فإذا بداخلها .. نصف رجل ..
نصفه العلوي فقط .. رجلاه مقطوعتان .. من أعلى الفخذ ..
قال سأذهب لأحضر الثاني ..
قلت سأذهب معك ..
تقدمنا .. نمشي و نحن جالسين .. مشية البطة
عندما وصلنا بداية الحقل .. كان بيننا و بين الرجل مسافة عشرة أمتار فقط
أ مسك أخي يدي و قال قف هنا
لا داعي لأن ندخل نحن الإثنين .. معاً
و تقدم هو ..
فلما وصل للرجل و أراد أن يحمله .. فإذا الرجل كامل و ثقيل
رأيت أنه لا يستطيع أن يحمله وحده ..
دخلت خلفه .. وصلت عنده ..
الدنيا ظلام .. ولعت الكشاف الصغير ..
فإذا به ليس حقل .. بل كوم ألغام ..
كثير منها واضح .. أزال المطر و السيل ما عليه من التراب
و إذا بها من ألغام الأفراد القديمة الكبيرة اللي ما تغشمر ..
تشهدت .. من كان آخر كلامه من الدنيا لا إله إلا الله دخل الجنة ..
همس أخي .. أطفئ الكشاف .. خلينا نمشي على عماها أحسن
وضع الرجل على ظهره .. و أمسكت رجليه ..
كانت رجلاه مقطوعتان تقريباً .. كل رجل متدلية من الركبة بجلدة أو عرق ..
وصلنا بالسلامة .. و الفضل و المنة لله وحده .
وضعناهم بجانب بعض ..
أعطيت كل واحد منهما .. إبرة مسكن قوي ( Sosigon )
في الفخذ طبعاً .. و من ورا الهدوم .. بعد
لإن عروقهم كانت .. لازقة .. ما فيها دم ..
شفتي يا المجهولة .. ما قلت لك اني أصلح ممرض ..
طلبنا النجدة .. و جلسنا نراقبهما .. يحتضران
كان أحدهما .. يوصي أحد المجاهدين ..
و الآخر .. يهذي ..
مات الأول .. ثم الآخر بعده بساعة ..
جلست أنظر إليه .. تذكرت سمرنا أول الليل ..
و سواليفه عن الزواج .. غداً ..
غداً .. كان ينوي .. ترك الجبهة ..
غداً .. يضع السلاح عن كتفه .. و يغسل عنه غبار الخنادق
غداً .. يدخل على عروسه التي تنتظره في القرية الصغيرة خلف تلك الجبال
قلت في نفسي ..
هنيئاً لك ..
لقد تقدم موعد عرسك .. بضع ساعات